أفريكا نيوز- منية العيّادي
في إطار مواكبة التطوّرات الجيوسياسيّة والاقتصاديّة العالمية، نظّمت جمعيّة تونس للكفاءات بالشّراكة مع منتدى ابن رشد العربي الإفريقي للدّراسات الإستراتيجية، ندوة فكرية تحت عنوان “تأثيرات سياسات ترامب والحروب التجارية الجديدة بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا على تونس والمغرب الكبير والقارة الإفريقية” أثثتها نخبة من الخبراء الاقتصاديين والباحثين والأكاديميين وتناولت تحليل تداعيات التّغيّرات الكبرى في السّياسات التّجارية الدّولية وانعكاسات التوتّرات التّجارية بين القوى الكبرى على الاقتصادات الناشئة خاصّة تونس والدول المغاربيّة.
الخبير الاقتصادي محسن حسن.. تونس مطالبة أكثر من أي وقت مضى بمراجعة الاتفاقيات الثّنائية ومتعددة الأطراف
تطرّقت مداخلة الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق محسن حسن إلى السياسة الحمائية الترامبية والاقتصاد العالمي حيث اعتبر أنّ ترامب اتخذ سياسات حمائيّة صارمة بفرضه معاليم جمركية جديدة وباهضة على الواردات من الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي والاتجاه نحو احتكار تكنولوجي مطلق واستغلال موارد الدّول الأخرى مؤكّدا أنّ هدف ترامب من هذه الإجراءات هو دفع تلك الدّول وإجبارها على التّفاوض خاصّة الصّين وإعادة بناء قطاع الصّناعة الأمريكية ودفع قوتها التّصديرية عبر وضع تلك الحواجز الجمركيّة ومحاولة إيقاف صعود الصين كقوة إقتصادية عالميّة وإيقاف زعامتها للاقتصاد العالمي.
وبيّن أنّ أهم الركائز الأساسيّة لسياسة ترامب، ما يتعلق بتفكيك الدولة العميقة حيث تسعى ملامح الرأسماليّة الترامبية إلى هيكلة جديدة للدّولة وللمؤسسات الاقتصادية والأمنية بعد أن تمّ اتهامها بالفساد وهذا يندرج ضمن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الرأسمالية الترامبية وهو تفكيك الدولة العميقة إضافة إلى الأوليقارشية الرّقمية حيث تندمج الحمائية القومية مع سيطرة قلّة من الأثرياء على القرار الاقتصادي والسياسي مشدّدا على أنّ ما يقوم به ترامب ليس عبثيّا بل مدروسا بشكل جيّد.
كما أشار محسن حسن إلى التحوّلات الاقتصادية الناتجة عن هذه السياسة الحمائية، ومنها تقلبات أسعار الصرف وأسواق المال حيث أدّت تلك السياسات إلى تذبذب كبير في أسعار العملات خصوصا اليوان الصيني والدولار الأمريكي، ممّا انجرّ عنه ردود فعل سوقية حادة في أسواق الأسهم والبترول، وتراجع سعر صرف الدولار وتراجع الطّلب على سندات الدّين الأمريكي وارتفاع الفوائد الموظّفة عليها مشيرا أيضا إلى أنّ تلك السّياسات أّدّت إلى ركود اقتصادي تضخّمي نجم عن ارتفاع تكاليف الإنتاج والتضخّم والضّغوط على ربحية الشّركات والوفاء بالتزاماتها وازدياد حالات الإفلاس.
وشدّد حسن على أنّ تونس مطالبة أكثر من أي وقت مضى بمراجعة الاتفاقيات الثّنائية ومتعددة الأطراف وإعادة التّفاوض بشأنها ومنها اتفاقية التبادل الحر مع الفضاء الأوروبي واتفاقية أغادير واتفاقية الجامعة العربية وكذلك اتفاقية التبادل الحر مع تركيا مشيرا إلى ضرورة مراجعة السّياسة الخارجيّة للبلاد والخيارات الاقتصادية الهجينة والتّوجه نحو القطاعات الاقتصادية التي تقوم على الصناعة والرّقمنة والذكاء الاصطناعي والاستفادة من سياسات التوطين الاقتصادي الجديدة في العالم كما دعا إلى ضرورة رفع شعار “تونس أوّلا” وتوجّه السّياسة الخارجية لتونس نحو دفع التصدير بأكثر قوة والحفاظ على القطاعات الهشّة من خلال التّحكم في الواردات وعلى رأسها واردات المواد الاستهلاكية غير الضرورية للدّورة الاقتصادية.
رضا الشكندالي.. التداعيات التضخّمية للرّسوم الجمركية الأمريكية، قد تمنع إدارة البنك المركزي التونسي من التخفيض في نسبة الفائدة المديريّة
اعتبر الأستاذ الجامعي والمختص في الشّأن الاقتصادي رضا الشكندالي، أنّ السياسات الحمائية التي اتجهت نحوها الإدارة الأمريكية لا تعدو أن تكون مسرحية إقتصادية بطلها ترامب الذي يريد أن تسترجع أمريكا مكانتها وهيبتها أمام تخوّفه من الأقطاب الصّاعدة وخاصّة الصين التي تحقق نسب نمو كبيرة عادلت 4 بالمائة مقابل 1 بالمائة لأمريكا مشيرا إلى أنّ ما قام به ترامب هدفه جرّ الدّول للتفاوض مع أميركا حول التّخفيف في الرّسوم الجمركية بين جميع الأطراف حيث توصّلت الصين إلى التّخفيض في المعاليم المفروضة على بضائعها نحو أميركا من 54 بالمائة إلى 30 بالمائة مقابل تخفيض الرسوم على البضائع الأمريكية نحو الصين ب10 بالمائة .
وأضاف الشكندالي أنّ تلك الإجراءات الحمائيّة يمكن أن تكون لها تداعيات سلبيّة حيث ستدفع البنوك المركزية الأساسية والبنك المركزي الأوروبي للعودة مجددا لسياسة الترفيع في نسب الفائدة لمحاربة التضخّم المالي، متوقّعا أن تؤثّر التداعيات التضخّمية للرسوم الجمركية الأمريكية، على إدارة البنك المركزي التونسي، وتمنعه مرة أخرى من التخفيض في نسبة الفائدة المديرية.
كما دعا الشكندالي بدوره لمراجعة كل الاتفاقيات التجارية لا سيما مع الاتحاد الأوروبي وتركيا خاصة وأنّ رفع الرسوم الجمركية على البضائع التّركية أضر بقطاع النّسيج بما أنه يستورد من تركيا أساسا القطنيات والمواد الأولية ونصف المصنّعة، ما أدّى لفقدانه تماما لتنافسيته في السوق الدّولية مؤكّدا ضرورة التفاوض مع هذه الدّول والتركيز على النقاط التي يمكن أن تجني منها تونس مصالح اقتصادها، فضلا عن التركيز على تحسين مناخ الأعمال والتخفيض في نسبة الفائدة المديرية والتخفيض من حجم الإجراءات الإدارية والجبائية التي سيكون لها أثر إيجابي على مستوى الاستثمار المحلّي والأجنبي معا.
الصحفي والباحث منصف السليمي.. أوروبا مضطرة للتعامل مع محيطها المغاربي والافريقي وعليها مراجعة سياساتها
أشار الصحفي والباحث المختص في الشؤون المغاربيّة والعلاقات الأوروبية منصف السليمي إلى أن العلاقة مع الدول المغاربية تقع في صلب صراع نفوذ قوي بين أوروبا وأمريكا والصين إضافة إلى دول إقليمية أخرى مثل تركيا وإسرائيل وإيران وإذا تراجعت أوروبا عن الاهتمام بدول المغرب العربي فسوف تدفع الثمن مضيفا أنها مضطرّة للتعامل مع محيطها المغاربي والإفريقي وعليها مراجعة سياساتها إذ لا يتعلق الأمر فقط بتراجع مصالحها ونفوذها الإقتصادي الذي يشكّل حاليّا اكثر من70 بالمائة إضافة إلى نفوذها الأمني والثقافي حيث يمكن أن يتحوّل المجال المغاربي إلى ساحة لحروب هجينة على أوروبا على مستوى الهجرة غير النّظاميّة أو الإرهاب أو الجريمة المنظمة وغيرها من الظواهر والمخاطر الجديدة مثل الحروب السيبرنية.
وبيّن السليمي أنّ العلاقة مع المنطقة المغاربية وافريقيا بالنّسبة لأوروبا تكشف أنّها ليست فقط تجاريّة بل أعقد من ذلك إذ رغم أنها تتجه أكثر في استراتيجيتها لتعزيز حضورها في شرق أوروبا على خلفية التهديد الروسي والأزمة الأكرانية فهي مضطرّة للتعامل مع واقع محيطها المغاربي والإفريقي تفاديا لمخاطر تراجع اهتمامها بهذا الجوار الذي يمكن أن تعزّز حركته قوى معادية لأوروبا إضافة إلى الصراعات المغاربية الدّاخلية خصوصا بين المغرب والجزائر والأزمة الليبية وهو ما يمكن أن يؤثر على أوروبا وينفجر عليها .
الصّحفية الدوليّة آسيا العتروس: لا “عدو أبدي” لأمريكا أمام مصالحها ونفوذها الاستراتيجي
بيّنت رئيسة تحرير قسم الشؤون الدّوليّة بصحيفة الصباح آسيا العتروس أنّ لدى أمريكا أكثر من 1000 مسؤول تجاري في سفاراتها بكافة الدّول لدعم الصّادرات الأمريكية حول العالم وقالت إنّ القمّة الأخيرة الخليجيّة الأمريكية كشفت أنّ الولايات المتحدة الأمركية لا تعترف بمصطلح “العدو الأبدي” أمام مصالحها السياسية والاقتصاديّة ونفوذها الاستراتيجي في كل مناطق العالم مضيفة أنّ ترامب اليوم بصدد لعب دور الامبراطور المهيمن على العالم والذي يستطيع فرض ما يريد على كافة الدّول اقتصاديّا وأمنيّا وعسكريّا وهو من يتحكّم في خيوط اللّعبة.
في المقابل أضافت العتروس أنّ تونس لم تعرف كيف تستفيد لا من العلاقات مع الفضاء المغاربي ولا من الفضاء الإفريقي ولم تسعى إلى توفير مناخ للاستثمار لتشجيع المستثمرين المحلييين أو الأجانب.
توصيات النّدوة
وفي ختام النّدوة نظّمت حلقة نقاش واستصدار توصيات من طرف كافّة المشاركين .
وقال مدير مركز ابن رشد للدراسات الاستراتيجيّة الأستاذ والباحث كمال بن يونس إنّه وقع التّأكيد خلال التوصيات، على أنّ تونس لن تتضرّر كثيرا من زيادة المعاليم على الصّادرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأنّ مبادلاتها في حدود 2 مليون دينار خاصّة وأنّها تشمل بعض المواد الفلاحيّة والنّسيج لكن هناك تأثر سلبي من ناحية المستثمرين بسبب ارتفاع الكلفة فيما اقترح بعض الاقتصاديين تدخّل الدولة للتكفّل بالفارق في كلفة الرسوم الجمركية خاصة في قطاع التّمور وزيت الزيتون أو إيجاد أسواق أخرى بديلة تعوض السوق الأمريكية.
وأضاف بن يونس أنّه وقع التّأكيد أيضا على ضرورة تحسين مناخ الأعمال والمناخ العام للبلاد لجلب المستثمرين الأجانب إضافة إلى تحسين مناخ الاستثمار في الدّاخل وترفيع دعم الدّولة للتجارة الخارجيّة إضافة إلى مراجعة بعض الاتفاقيات الثّنائية ومتعددة الأطراف التي أبرمتها تونس سابقا ومنها اتفاقية برشلونة التي تعود إلى 1995 واتفاقية التبادل الحر مع الفضاء الأوروبي واتفاقية التبادل الحر مع تركيا.