وإذ فجأة يبرز اسم د. بشارة بحبح في الإعلام الإسرائيلي، فيصفه بأنه “مهندس الصفقة الجديدة والوسيط الخفي بين حماس وواشنطن”. هل كان من قبيل الصدفة أن تتداول ثلاث صحف عبرية رئيسية (هآرتس ومعاريف ويديعوت أحرونوت) وعدد كبير من المواقع والمنصات الإسرائيلية في يوم واحد اسم رجل الأعمال والأكاديمي الأمريكي من أصل فلسطيني، في سياق الحديث عن صفقة مرتقبة في غزة؟
تبارت وسائل الإعلام الصهيونية اليوم في النقل عن تصريحات مسؤول فلسطيني (وٌصف بأنه قيادي بارز) لقناة الميادين اللبنانية (المحسوبة على حزب الله) وعن مصادر إعلامية “عربية”، ما مفاده أن إسرائيل وحماس تقتربان من إبرام اتفاق وقف إطلاق نار لمدة 70 يومًا. وفي تفاصيل الصفقة الجديدة “بوساطة أمريكية ومشاركة قطرية”، سيتم إطلاق سراح 10 أسرى أحياء على مرحلتين وتسليم رفات 16 آخرين. بينما طالبت حماس بالإفراج عن جميع السجناء الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم من غزة، قبل وبعد هجوم 7 أكتوبر. كما طالبت بـ”مصافحة علنية بين خليل الحية والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف”، في إشارة رمزية إلى ضمانات أمريكية بعدم استئناف القتال بعد فترة وقف إطلاق النار المقترحة.
بغض النظر عن مدى دقة المتداول عن الصفقة الجديدة (التي قالت سكاي نيوز إن ترمب سيعلنها رسميا في غضون أيام وتقول تل آبيب إنها مرفوضة)، فقد كان لافتا اهتمام الصحافة الإسرائيلية بشخصية “صديق ترمب”، الذي زعمت أنه “لعب دوراً محورياً في صفقة إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأميركي ‘عيدان ألكسندر’، والمسؤول عن الاتصالات المباشرة حالياً بين ‘ويتكوف’ والقيادي بحماس ‘خليل الحية’ (خليفة يحيى السنوار كما يلقّبه الإسرائيليون)”. وتذهب بعض المواقع إلى توصيف بشارة بحبح بأنه “عراب” العلاقة السرية بين حماس وواشنطن، ووسيط المحادثات بينهما “خلف الستار” على مدى الأسابيع الماضية. وأضافت ‘يديعوت أحرونوت’ أن دوره بدأ فعليا “بعد توقف المحادثات المباشرة بين حماس والمبعوث الأمريكي ‘بوهلر’ بسبب تسريب إسرائيلي استهدف عرقلتها، حين تواصل غازي حمد (القيادي في حماس) مع بحبح عبر سهى عرفات (أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل)”.
فمن هو العراب الجديد الذي “أربك حسابات الموساد” (حسب تعبير ‘معاريف’)؟
وُلِد بشارة بحبح في القدس عام 1958 لعائلة هربت من البلدة القديمة إلى الأردن وعادت للعيش داخل أسوار المدينة. وفي سبعينيات القرن العشرين أسس صحيفة “العودة” التي كانت توزع أيضاً باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة، بالاشتراك مع الصحافية الفلسطينية ريموندا الطويل، والدة سهى عرفات (من هنا نشأت العلاقة الشخصية). لفتت الصحيفة انتباه القيادة الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي، وقررت لاحقا اختيار بحبح للمشاركة في محادثات السلام مع إسرائيل بين عامي 1991 و1993، وهي المحادثات التي أفضت إلى توقيع اتفاقيات أوسلو.
حصل بحبح على درجة البكالوريوس في دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية من جامعة ‘هارفارد’ الأمريكية المرموقة، وشغل منصب نائب رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط في الجامعة. وقد بدأ حياته السياسية بدعم الحزب الديمقراطي، لكن غضبه من سياسة أوباما في الشرق الأوسط دفعه إلى التحول نحو الجمهوريين.
وفي عام 2024، أسس بشارة بحبح منظمة ‘العرب الأمريكيون من أجل دونالد ترمب’، (رغم استيائه المعلن سابقا من قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس). ونجح بحبح في لفت انتباه ترمب عندما قاد حملته الانتخابية في ميشيغان لحصد أصوات الناخبين العرب على حساب مرشحة الديمقراطيين ‘كامالا هاريس’.
أما فوزه بمنصب “مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون العربية”، فيعزوه البعض لعلاقته الوطيدة برجل الأعمال اللبناني الأصل ‘مسعد بولس’ -نسيب ترمب- الذي تنازل له “طوعا” عن المنصب الذي أراده البرتقالي له (من باب التحصن بأهل الثقة والقرابة والولاء).
“عرّاب” القنوات السرية بين واشنطن وحماس .. و”توابل” الصفقة الجديدة في غزة .. بقلم الاعلامي هاني الكنيسي
