تونس في عين العاصفة: الحوار الوطني كطوق نجاة في زمن الحروب .. بقلم محمدعلي عقربي

تعيش تونس اليوم لحظة حرجة تتشابك فيها الأزمات الداخلية مع التحولات الخطيرة التي يعرفها الإقليم. فمنذ سنوات، تراكمت التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعمق الإحساس العام بالخيبة وفقدان الثقة في المؤسسات والنخبة، حتى باتت البلاد وكأنها تسير في ضباب كثيف، بلا بوصلة واضحة. وفي الأثناء، تزداد المنطقة المحيطة اشتعالًا بالحروب، من ليبيا التي لم تعرف استقرارًا منذ عقد، إلى السودان الغارق في الدم، مرورًا بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، والحرب الدولية الباردة التي بدأت تطل برأسها من جديد على ضفاف المتوسط. وسط هذا المشهد القاتم، تبدو تونس وكأنها واقفة على حافة هاوية، فلا هي انهارت، ولا هي وجدت سبيلًا آمنًا نحو المستقبل.

لكن رغم كل شيء، لا تزال الفرصة قائمة لإنقاذ المسار، شرط أن تُدرك القوى الفاعلة أن الصراع الداخلي لم يعد ترفًا سياسيًا، بل أصبح ترفًا مدمرًا في لحظة تقتضي وحدة الصف. إن ما تحتاجه تونس اليوم ليس مزيدًا من الخطابات والمزايدات، بل فعلًا وطنيًا ناضجًا، يتمثل في إطلاق حوار وطني شامل، لا يستثني أحدًا، ولا يقوم على المغالبة، بل على التفاهم والتشارك. الحوار ليس مجرد اجتماع للفرقاء السياسيين، بل هو فعل تأسيسي يمكن أن يُعيد ربط ما انقطع بين الدولة وشعبها، بين مؤسسات الحكم والقوى الحية في المجتمع، بين النخب والشارع، بين الحاضر وما تبقى من أمل في المستقبل.

لقد أثبتت تجارب الشعوب من حولنا أن الفراغ السياسي لا يملأه سوى الفوضى أو الاستبداد. وتونس التي لطالما افتخرت بخصوصيتها السياسية، وبقدرتها على تجاوز الأزمات بأقل الأضرار، مطالبة اليوم أن تستحضر تلك الروح، روح التوافق، لا من باب الحنين، بل من باب الضرورة. إن الحروب التي تحاصرنا من كل جهة، لم تعد مجرد أخبار على الشاشات، بل هي سياقات ضاغطة، تنذر بإعادة رسم خريطة المصالح والتحالفات في المنطقة، وقد تجعل من تونس ساحة مفتوحة أمام التدخلات الأجنبية، إذا ما استمر الانقسام الداخلي، واستمرت الدولة في استنزاف نفسها في صراعات هامشية بدل مواجهة الاستحقاقات الكبرى.
الحوار الوطني هو درع تونس الأخير، هو الطريق الوحيد لبلورة رؤية مشتركة لمستقبل البلاد، يتفق حولها الجميع، حتى المختلفون جذريًا. لا أحد يملك الحقيقة الكاملة، ولا أحد بإمكانه قيادة البلاد وحده في هذا الظرف العصيب. وحده التواضع السياسي، والوعي بحجم التحديات، يمكن أن يصنعا هذا التحول الضروري. أما الاستمرار في إنكار الواقع، أو التمترس خلف الشعارات، فلن يقود سوى إلى القطيعة التامة بين الدولة ومواطنيها، وربما إلى ما هو أسوأ.
إن الوطن، حين تهب عليه رياح العاصفة، لا يحتاج إلى مزيد من الخطابات الحماسية، بل إلى عقلاء يتحلقون حول طاولة واحدة، يختلفون في الرأي، لكنهم يتفقون على أن تونس أكبر من الجميع، وأن إنقاذها واجب وطني لا يحتمل التأجيل. فهل نمتلك اليوم هذه الشجاعة؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *